الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج المشهور بـ «شرح النووي على مسلم»
.باب فَضْلِ عِتْقِ الْوَالِدِ: وَاخْتَلَفُوا فِي عِتْق الْأَقَارِب إِذَا مَلَكُوا. فَقَالَ أَهْل الظَّاهِر: لَا يَعْتِق أَحَد مِنْهُمْ بِمُجَرَّدِ الْمِلْك سَوَاء الْوَالِد وَالْوَلَد وَغَيْرهمَا بَلْ لابد مِنْ إِنْشَاء عِتْق. وَاحْتَجُّوا بِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيث. وَقَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء: يَحْصُل الْعِتْق فِي الْآبَاء وَالْأُمَّهَات وَالْأَجْدَاد وَالْجَدَّات وَإِنْ عَلَوْا وَعَلَوْنَ، وَفِي الْأَبْنَاء وَالْبَنَات وَأَوْلَادهمْ الذُّكُور وَالْإِنَاث وَإِنْ سَفَلُوا بِمُجَرَّدِ الْمِلْك سَوَاء الْمُسْلِم وَالْكَافِر وَالْقَرِيب وَالْبَعِيد وَالْوَارِث وَغَيْره. وَمُخْتَصَره أَنَّهُ يُعْتَق عَمُود النَّسَب بِكُلِّ حَال وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاء عَمُودَيْ النَّسَب. فَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: لَا يَعْتِق غَيْرهمَا بِالْمِلْكِ لَا الْأُخُوَّة وَلَا غَيْرهمْ. وَقَالَ مَالِك: يَعْتِق الْأُخُوَّة أَيْضًا. وَعَنْهُ رِوَايَة أَنَّهُ يَعْتِق جَمِيع ذَوِي الْأَرْحَام الْمُحَرَّمَة وَرِوَايَة ثَالِثَة كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: يَعْتِق جَمِيع ذَوِي الْأَرْحَام الْمُحَرَّمَة. وَتَأْوِيل الْجُمْهُور الْحَدِيث الْمَذْكُور عَلَى أَنَّهُ لَمَّا تَسَبَّبَ فِي شِرَاء الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ عِتْقه أُضِيفَ الْعِتْق إِلَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم. .كتاب البيوع: قَالَ: وَكَذَلِكَ شَرَيْت بِالْمَعْنَيَيْنِ. قَالَ: وَكُلّ وَاحِد بَيْع وَبَائِع لِأَنَّ الثَّمَن وَالْمُثَمَّن كُلّ مِنْهُمَا مَبِيع، وَكَذَا قَالَ اِبْن قُتَيْبَة: بِقَوْلِ: بِعْت الشَّيْء بِمَعْنَى بِعْته وَبِمَعْنَى اِشْتَرَيْته وَشَرَيْت الشَّيْء بِمَعْنَى اِشْتَرَيْته وَبِمَعْنَى بِعْته وَكَذَا قَالَهُ آخَرُونَ مِنْ أَهْل اللُّغَة. وَيُقَال: بِعْته وَابْتَعْته فَهُوَ مَبِيع وَمَبْيُوع. قَالَ الْجَوْهَرِيّ: كَمَا يَقُول: مَخِيط وَمَخْيُوط. قَالَ الْخَلِيل: الْمَحْذُوف مِنْ مَبِيع وَاو مَفْعُول لِأَنَّهَا زَائِدَة فَهِيَ أَوْلَى بِالْحَذْفِ. وَقَالَ الْأَخْفَش: الْمَحْذُوف عَيْن الْكَلِمَة. قَالَ الْمَازِرِيّ: كِلَاهُمَا حَسَن، وَقَوْل الْأَخْفَش أَقْيَس. وَالِابْتِيَاع الِاشْتِرَاء وَتَبَايَعَا وَبَايَعْته وَيُقَال: اِسْتَبَعْته أَيْ سَأَلْته الْبَيْع، وَأَبَعْت الشَّيْء أَيْ عَرَضْته لِلْبَيْعِ وَبِيع الشَّيْء بِكَسْرِ الْبَاء وَضَمّهَا، وَبُوع لُغَة فيه، وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي قِيلَ وَكِيلَ. .باب إِبْطَالِ بَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ: قَالَ: وَهُوَ غَلَط وَلَيْسَ لِنَافِعٍ ذِكْر فِي هَذَا الْحَدِيث، وَلَمْ يَذْكُر مَالِك فِي الْمُوَطَّأ نَافِعًا فِي هَذَا الْحَدِيث. وَأَمَّا نَهْيه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُلَامَسَة وَالْمُنَابَذَة، فَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْكُتُب بِأَحَدِ الْأَقْوَال فِي تَفْسِيره، وَلِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَة أَوْجُه فِي تَأْوِيل الْمُلَامَسَة. أَحَدهَا تَأْوِيل الشَّافِعِيّ وَهُوَ أَنْ يَأْتِي بِثَوْبٍ مَطْوِيّ أَوْ فِي ظُلْمَة فَيَلْمِسهُ الْمُسْتَام فَيَقُول صَاحِبه: بِعْتُكَهُ هُوَ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُوم لَمْسك مَقَام نَظَرك وَلَا خِيَار لَك إِذَا رَأَيْته. وَالثَّانِي أَنْ يَجْعَلَا نَفْس اللَّمْس بَيْعًا فَيَقُول: إِذَا لَمَسَهُ فَهُوَ مَبِيع لَك. وَالثَّالِث أَنْ يَبِيعهُ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى يَمَسّهُ اِنْقَطَعَ خِيَار الْمَجْلِس وَغَيْره. وَهَذَا الْحَدِيث بَاطِل عَلَى التَّأْوِيلَات كُلّهَا. وَفِي الْمُنَابَذَة أَوْجُه أَيْضًا. أَحَدهَا أَنْ يَجْعَلَا نَفْس النَّبْذ بَيْعًا وَهُوَ تَأْوِيل الشَّافِعِيّ؛ وَالثَّانِي أَنْ يَقُول: بِعْتُك فَإِذَا نَبَذْته إِلَيْك اِنْقَطَعَ الْخِيَار وَلَزِمَ الْبَيْع؛ وَالثَّالِث الْمُرَاد نَبْذ الْحَصَاة كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي بَيْع الْحَصَاة وَهَذَا الْبَيْع بَاطِل لِلْغَرَرِ. 2782- قَوْله: «وَيَكُون ذَلَك بَيْعهمَا عَنْ غَيْر نَظَر وَلَا تَرَاضٍ» مَعْنَاهُ بِلَا تَأَمُّل وَرِضًى بَعْد التَّأَمُّل وَاَللَّه أَعْلَم. .باب بُطْلاَنِ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَالْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ غَرَرٌ: أَحَدهَا أَنْ يَقُول: بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَاب مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاة الَّتِي أَرْمِيهَا. أَوْ بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَرْض مِنْ هُنَا إِلَى مَا اِنْتَهَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْحَصَاة. وَالثَّانِي أَنْ يَقُول: بِعْتُك عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ أَرْمِي بِهَذِهِ الْحَصَاة. وَالثَّالِث أَنْ يَجْعَلَا نَفْس الرَّمْي بِالْحَصَاةِ بَيْعًا، فَيَقُول: إِذَا رَمَيْت هَذَا الثَّوْب بِالْحَصَاةِ فَهُوَ مَبِيع مِنْك بِكَذَا. وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر فَهُوَ أَصْل عَظِيم مِنْ أُصُول كِتَاب الْبُيُوع، وَلِهَذَا قَدَّمَهُ مُسْلِم وَيَدْخُل فيه مَسَائِل كَثِيرَة غَيْر مُنْحَصِرَة كَبَيْعِ الْآبِق وَالْمَعْدُوم وَالْمَجْهُول وَمَا لَا يَقْدِر عَلَى تَسْلِيمه وَمَا لَمْ يَتِمّ مِلْك الْبَائِع عَلَيْهِ وَبَيْع السَّمَك فِي الْمَاء الْكَثِير وَاللَّبَن فِي الضَّرْع وَبَيْع الْحَمْل فِي الْبَطْن وَبَيْع بَعْض الصُّبْرَة مُبْهَمًا وَبَيْع ثَوْب مِنْ أَثْوَاب وَشَاة مِنْ شِيَاه وَنَظَائِر ذَلِكَ، وَكُلّ هَذَا بَيْعه بَاطِل لِأَنَّهُ غَرَر مِنْ غَيْر حَاجَة. وَقَدْ يَحْتَمِل بَعْض الْغَرَر بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَة كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّار وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاة الْحَامِل وَاَلَّتِي فِي ضَرْعهَا لَبَن فَإِنَّهُ يَصِحّ لِلْبَيْعِ، لِأَنَّ الْأَسَاس تَابِع لِلظَّاهِرِ مِنْ الدَّار، وَلِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِن رُؤْيَته. وَكَذَا الْقَوْل فِي حَمْل الشَّاة وَلَبَنهَا. وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز أَشْيَاء فيها غَرَر حَقِير، مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّة بَيْع الْجُبَّة الْمَحْشُوَّة وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوهَا، وَلَوْ بِيعَ حَشْوهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز إِجَارَة الدَّار وَالدَّابَّة وَالثَّوْب وَنَحْو ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْر قَدْ يَكُون ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُون تِسْعَة وَعِشْرِينَ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز دُخُول الْحَمَّام بِالْأُجْرَةِ مَعَ اِخْتِلَاف النَّاس فِي اِسْتِعْمَالهمْ الْمَاء وَفِي قَدْر مُكْثهمْ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَاز الشُّرْب مِنْ السِّقَاء بِالْعِوَضِ مَعَ جَهَالَة قَدْر الْمَشْرُوب وَاخْتِلَاف عَادَة الشَّارِبِينَ وَعَكْس هَذَا. وَأَجْمَعُوا عَلَى بُطْلَان بَيْع الْأَجِنَّة فِي الْبُطُون وَالطَّيْر فِي الْهَوَاء. قَالَ الْعُلَمَاء: مَدَار الْبُطْلَان بِسَبَبِ الْغَرَر. وَالصِّحَّة مَعَ وُجُوده عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُنَّ إِنْ دَعَتْ حَاجَة إِلَى اِرْتِكَاب الْغَرَر وَلَا يُمْكِن الِاحْتِرَاز عَنْهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَكَانَ الْغَرَر حَقِيرًا جَازَ الْبَيْع وَإِلَّا فَلَا، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْض مَسَائِل الْبَاب مِنْ اِخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِي صِحَّة الْبَيْع فيها وَفَسَاده كَبَيْعِ الْعَيْن الْغَائِبَة مَبْنِيّ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة، فَبَعْضهمْ يَرَى أَنَّ الْغَرَر حَقِير فَيَجْعَلهُ كَالْمَعْدُومِ فَيَصِحّ الْبَيْع، وَبَعْضهمْ يَرَاهُ لَيْسَ بِحَقِيرٍ فَيَبْطُل الْبَيْع وَاَللَّه أَعْلَم. وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْع الْمُلَامَسَة وَبَيْع الْمُنَابَذَة وَبَيْع حَبَل الْحَبَلَة وَبَيْع الْحَصَاة وَعَسْب الْفَحْل وَأَشْبَاههَا مِنْ الْبُيُوع الَّتِي جَاءَ فيها نُصُوص خَاصَّة هِيَ دَاخِلَة فِي النَّهْي عَنْ بَيْع الْغَرَر وَلَكِنْ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ، وَنُهِيَ عَنْهَا لِكَوْنِهَا مِنْ بِيَاعَات الْجَاهِلِيَّة الْمَشْهُورَة وَاَللَّه أَعْلَم. .باب تَحْرِيمِ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ: قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الْحَبَلَة) هُنَا جَمْع حَابِل كَظَالِمِ وَظَلَمَة وَفَاجِر وَفَجَرَة وَكَاتِب وَكَتَبَة، قَالَ الْأَخْفَش: يُقَال حَبِلَتْ الْمَرْأَة فَهِيَ حَابِل، وَالْجَمْع نِسْوَة حَبَلَة. وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ: الْهَاء فِي الْحَبَلَة لِلْمُبَالَغَةِ وَوَافَقَهُ بَعْضهمْ. وَاتَّفَقَ أَهْل اللُّغَة عَلَى أَنَّ الْحَبَل مُخْتَصّ بِالْآدَمِيَّاتِ، وَيُقَال فِي غَيْرهنَّ: الْحَمَل. يُقَال: حَمَلَتْ الْمَرْأَة وَلَدًا وَحَبِلَتْ بِوَلَدٍ، وَحَمَلَتْ الشَّاة سَخْلَة، وَلَا يُقَال: حَبِلَتْ. قَالَ أَبُو عُبَيْد: لَا يُقَال لِشَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَان حَبَل إِلَّا مَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيث. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُرَاد بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْع حَبَل الْحَبَلَة. فَقَالَ جَمَاعَة: هُوَ الْبَيْع بِثَمَنٍ مُؤَجَّل إِلَى أَنْ تَلِد النَّاقَة وَيَلِد وَلَدهَا. وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم فِي هَذَا الْحَدِيث هَذَا التَّفْسِير عَنْ اِبْن عُمَر، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ بَيْع وَلَد النَّاقَة الْحَامِل فِي الْحَال وَهَذَا تَفْسِير أَبِي عُبَيْد مَعْمَر بْن الْمُثَنَّى وَصَاحِبه أَبِي عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَام وَآخَرِينَ مِنْ أَهْل اللُّغَة، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ، وَهَذَا أَقْرَب إِلَى اللُّغَة لَكِنْ الرَّاوِي هُوَ اِبْن عُمَر وَقَدْ فَسَّرَهُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّل وَهُوَ أَعْرَف. وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ تَفْسِيره الرَّاوِي مُقَدَّم إِذَا لَمْ يُخَالِف الظَّاهِر وَهَذَا الْبَيْع بَاطِل عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ: أَمَّا الْأَوَّل فَلِأَنَّهُ بَيْع بِثَمَنٍ إِلَى أَجَل مَجْهُول وَالْأَجَل يَأْخُذ قَسَّطَا مِنْ الثَّمَن، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بَيْع مَعْدُوم وَمَجْهُول وَغَيْر مَمْلُوك لِلْبَائِعِ وَغَيْر مَقْدُور عَلَى تَسْلِيمه وَاَللَّه أَعْلَم. .باب تَحْرِيمِ بَيْعِ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَسَوْمِهِ عَلَى سَوْمِهِ وَتَحْرِيمِ النَّجْشِ وَتَحْرِيمِ التَّصْرِيَةِ: يَحْرُم أَيْضًا الشِّرَاء عَلَى شِرَاء أَخِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُول لِلْبَائِعِ فِي مُدَّة الْخِيَار: اِفْسَخْ هَذَا الْبَيْع وَأَنَا أَشْتَرِيه مِنْك بِأَكْثَر مِنْ هَذَا الثَّمَن وَنَحْو هَذَا. 2787- قَوْله: «لَا يَبِيع الرَّجُل عَلَى بَيْع أَخِيهِ وَلَا يَخْطُب عَلَى خِطْبَة أَخِيهِ إِلَّا أَنْ يَأْذَن لَهُ» أَمَّا الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة أَخِيهِ وَسُؤَال الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا فَسَبَقَ بَيَانهمَا وَاضِحًا فِي كِتَاب النِّكَاح وَسَبَقَ هُنَالِكَ أَنَّ الرِّوَايَة: «لَا يَبِيع وَلَا يَخْطُب» بِالرَّفْعِ عَلَى سَبِيل الْخَبَر الَّذِي يُرَاد بِهِ النَّهْي، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ أَبْلَغ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى مَنْع الْبَيْع عَلَى بَيْع أَخِيهِ وَالشِّرَاء عَلَى شِرَائِهِ وَالسَّوْم عَلَى سَوْمه فَلَوْ خَالَفَ وَعَقَدَ فَهُوَ عَاصٍ. وَيَنْعَقِد الْبَيْع هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَآخَرِينَ، وَقَالَ دَاوُدَ: لَا يَنْعَقِد. وَعَنْ مَالِك رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَجُمْهُورهمْ عَلَى إِبَاحَة الْبَيْع وَالشِّرَاء فِيمَنْ يَزِيد، وَقَالَ الشَّافِعِيّ: وَكَرِهَهُ بَعْض السَّلَف. 2788- قَوْله: «لَا يَسِم الْمُسْلِم عَلَى سَوْم أَخِيهِ» أَمَّا السَّوْم عَلَى سَوْم أَخِيهِ فَهُوَ أَنْ يَكُون قَدْ اِتَّفَقَ مَالِك السِّلْعَة وَالرَّاغِب فيها عَلَى الْبَيْع وَلَمْ يَعْقِدَاهُ، فَيَقُول الْآخَر لِلْبَائِعِ: أَنَا أَشْتَرِيه وَهَذَا حَرَام بَعْد اِسْتِقْرَار الثَّمَن. وَأَمَّا السَّوْم فِي السِّلْعَة الَّتِي تُبَاع فِيمَنْ يَزِيد فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. 2789- قَوْله (حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ الْعَلَاء وَسُهَيْل عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ (عَنْ أَبِيهِمَا)، وَهُوَ مُشْكِل، لِأَنَّ الْعَلَاء هُوَ اِبْن عَبْد الرَّحْمَن وَسُهَيْل هُوَ اِبْن أَبِي صَالِح وَلَيْسَ بِأَخٍ لَهُ، فَلَا يُقَال: عَنْ أَبِيهِمَا بِكَسْرِ الْبَاء بَلْ كَانَ حَقّه أَنْ يَقُول: (عَنْ أَبَوَيْهِمَا) وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَر الْمَوْجُود فِي النُّسَخ (عَنْ أَبِيهِمَا) بِفَتْحِ الْبَاء الْمُوَحَّدَة، وَيَكُون تَثْنِيَة أَب عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ: هَذَانِ أَبَانِ وَرَأَيْت أَبَيْنِ فَثَنَّاهُ بِالْأَلِفِ وَالنُّون وَبِالْيَاءِ وَالنُّون وَقَدْ سَبَقَ مِثْله فِي كِتَاب النِّكَاح وَأَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ. قَالَ الْقَاضِي: الرِّوَايَة فيه عِنْد جَمِيع شُيُوخنَا بِكَسْرِ الْبَاء. قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ بِصَوَابٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَخَوَيْنِ. قَالَ: وَوَقَعَ فِي بَعْض الرِّوَايَات (عَنْ أَبَوَيْهِمَا) وَهُوَ الصَّوَاب. قَالَ: وَقَالَ بَعْضهمْ: فِي الْأَوَّل لَعَلَّهُ عَنْ أَبِيهِمَا بِفَتْحِ الْبَاء. قَوْله: (وَفِي رِوَايَة الدَّوْرَقِيّ عَلَى سِيمَة أَخِيهِ) هُوَ بِكَسْرِ السِّين وَإِسْكَان الْيَاء وَهِيَ لُغَة فِي السَّوْم ذَكَرَهَا الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة، قَالَ الْجَوْهَرِيّ: وَيُقَال: إِنَّهُ تَغَالِي السِّيمَة. 2790- قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا تُصَرُّوا الْإِبِل» هُوَ بِضَمِّ التَّاء وَفَتْح الصَّاد وَنَصْب الْإِبِل مِنْ التَّصْرِيَة وَهِيَ الْجَمْع، يُقَال: صَرَّى يُصَرِّي تَصْرِيَة وَصَرَّاهَا يُصَرِّيهَا تَصْرِيَة فَهِيَ مُصَرَّاة كَغَشَّاهَا يُغَشِّيهَا تَغْشِيَة فَهِيَ مُغَشَّاة وَزَكَّاهَا يُزَكِّيهَا تَزْكِيَة فَهِيَ مُزَكَّاة، قَالَ الْقَاضِي: وَرَوَيْنَاهُ فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم عَنْ بَعْضهمْ: «لَا تَصُرُّوا» بِفَتْحِ التَّاء وَضَمّ الصَّاد مِنْ الصَّرّ، قَالَ: وَعَنْ بَعْضهمْ: لَا تُصَرّ الْإِبِل بِضَمِّ التَّاء مِنْ تُصْرَى بِغَيْرِ وَاو بَعْد الرَّاء وَبِرَفْعِ الْإِبِل عَلَى مَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِله مِنْ الصِّرّ أَيْضًا وَهُوَ رَبْط أَخْلَافهَا. وَالْأَوَّل هُوَ الصَّوَاب الْمَشْهُور وَمَعْنَاهُ لَا تَجْمَعُوا اللَّبَن فِي ضَرْعهَا عِنْد إِرَادَة بَيْعهَا حَتَّى يَعْظُم ضَرْعهَا فَيَظُنّ الْمُشْتَرِي أَنَّ كَثْرَة لَبَنهَا عَادَة لَهَا مُسْتَمِرَّة، وَمِنْهُ قَوْل الْعَرَب: صَرَيْت الْمَاء فِي الْحَوْض أَيْ جَمَعْته وَصَرَّى الْمَاء فِي ظَهْره أَيْ حَبَسَهُ فَلَمْ يَتَزَوَّج. قَالَ الْخَطَّابِيّ: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء وَأَهْل اللُّغَة فِي تَفْسِير: «الْمُصَرَّاة» وَفِي اِشْتِقَاقهَا، فَقَالَ الشَّافِعِيّ: التَّصْرِيَة أَنْ يَرْبِط أَخْلَاف النَّاقَة أَوْ الشَّاة وَيَتْرُك حَلْبهَا الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة حَتَّى يَجْمَع لَبَنهَا، فَيَزِيد مُشْتَرِيهَا فِي ثَمَنهَا بِسَبَبِ ذَلِكَ لِظَنِّهِ أَنَّهُ عَادَة لَهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْد: هُوَ مِنْ صَرَّى اللَّبَن فِي ضَرْعهَا أَيْ حَقَنَهُ فيه وَأَصْل التَّصْرِيَة حَبَسَ الْمَاء. قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الرَّبْط لَكَانَتْ مَصْرُورَة أَوْ مُصَرَّرَة. قَالَ الْخَطَّابِيّ: وَقَوْل أَبِي عُبَيْد حَسَن، وَقَوْل الشَّافِعِيّ صَحِيح. قَالَ: وَالْعَرَب تَصُرّ ضُرُوع الْمَحْلُوبَات. وَاسْتَدَلَّ لِصِحَّةِ قَوْل الشَّافِعِيّ بِقَوْلِ الْعَرَب: لَا يُحْسِن الْكَرّ. إِنَّمَا يُحْسِن الْحَلْب وَالصَّرّ. وَبِقَوْلِ مَالِك بْن نُوَيْرَة: فَقُلْت لِقَوْمِي: هَذِهِ صَدَقَاتكُمْ مُصَرَّرَة أَخِلَافهَا لَمْ تُجَرَّد قَالَ: وَيُحْتَمَل أَنَّ أَصْل الْمُصَرَّاة مَصْرُورَة وَأُبْدِلَتْ إِحْدَى الرَّاءَيْنِ أَلِفًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} أَيْ دَسَّسَهَا كَرِهُوا اِجْتِمَاع ثَلَاثَة أَحْرُف مِنْ جِنْس. وَاعْلَمْ أَنَّ التَّصْرِيَة حَرَام سَوَاء تَصْرِيَة النَّاقَة وَالْبَقَرَة وَالشَّاة وَالْجَارِيَة وَالْفَرَس وَالْأَتَان وَغَيْرهَا لِأَنَّهُ غِشّ وَخِدَاع، وَبَيْعهَا صَحِيح مَعَ أَنَّهُ حَرَام وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار فِي إِمْسَاكهَا وَرَدّهَا. وَسَنُوضِحُهُ فِي الْبَاب الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى. وَفيه دَلِيل عَلَى تَحْرِيم التَّدْلِيس فِي كُلّ شَيْء وَأَنَّ الْبَيْع مِنْ ذَلِكَ يَنْعَقِد وَأَنَّ التَّدْلِيس بِالْفِعْلِ حَرَام كَالتَّدْلِيسِ بِالْقَوْلِ. 2792- أَمَّا النَّجْش فَبِنُونٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ جِيم سَاكِنَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة وَهُوَ أَنْ يَزِيد فِي ثَمَن السِّلْعَة لَا لِرَغْبَةٍ فيها بَلْ لِيَخْدَع غَيْره وَيَغُرّهُ لِيَزِيدَ وَيَشْتَرِيهَا وَهَذَا حَرَام بِالْإِجْمَاعِ، وَالْبَيْع صَحِيح وَالْإِثْم مُخْتَصّ بِالنَّاجِشِ إِنْ لَمْ يَعْلَم بِهِ الْبَائِع فَإِنَّ وَاطَأَهُ عَلَى ذَلِكَ أَثِمَا جَمِيعًا، وَلَا خِيَار لِلْمُشْتَرِي إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْبَائِع مُوَاطَأَة، وَكَذَا إِنْ كَانَتْ فِي الْأَصَحّ لِأَنَّهُ قَصَّرَ فِي الِاغْتِرَار، وَعَنْ مَالِك رِوَايَة أَنَّ الْبَيْع بَاطِل، وَجَعَلَ النَّهْي عَنْهُ مُقْتَضِيًا لِلْفَسَادِ. وَأَصْل النَّجْش الِاسْتِثَارَة، وَمِنْهُ نَجَشْت الصَّيْد أَنْجُشهُ بِضَمِّ الْجِيم نَجْشًا إِذَا اِسْتَثَرْته، سُمِّيَ النَّاجِش فِي السِّلْعَة نَاجِشًا لِأَنَّهُ يُثِير الرَّغْبَة فيها وَيَرْفَع ثَمَنهَا، وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة: أَصْل النَّجْش الْخَتْل وَهُوَ الْخِدَاع وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ: نَاجِش لِأَنَّهُ يَخْتَلّ الصَّيْد وَيَخْتَال لَهُ وَكُلّ مِنْ اِسْتَثَارَ فَهُوَ نَاجِش. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: قَالَ أَبُو بَكْر: النَّجْش الْمَدْح وَالْإِطْرَاء وَعَلَى هَذَا مَعْنَى الْحَدِيث لَا يَمْدَح أَحَدكُمْ السِّلْعَة وَيَزِيد بِلَا رَغْبَة، وَالصَّحِيح الْأَوَّل. .باب تَحْرِيمِ تَلَقِّي الْجَلَبِ: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث تَحْرِيم تَلَقِّي الْجَلَب، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَالْجُمْهُور. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ يَجُوز التَّلَقِّي إِذَا لَمْ يَضُرّ بِالنَّاسِ فَإِنْ أَضَرّ كُرِهَ. وَالصَّحِيح الْأَوَّل لِلنَّهْيِ الصَّرِيح. قَالَ أَصْحَابنَا: وَشَرْط التَّحْرِيم أَنْ يُعْلَم النَّهْي عَنْ التَّلَقِّي. وَلَوْ لَمْ يَقْصِد التَّلَقِّي بَلْ خَرَجَ لِشَغْلٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ فَفِي تَحْرِيمه وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَقَوْلَانِ لِأَصْحَابِ مَالِك، أَصَحّهمَا عِنْد أَصْحَابنَا التَّحْرِيم لِوُجُودِ الْمَعْنَى. وَلَوْ تَلَقَّاهُمْ وَبَاعَهُمْ فَفِي تَحْرِيمه وَجْهَانِ. وَإِذَا حَكَمْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَاشْتَرَى صَحَّ الْعَقْد. قَالَ الْعُلَمَاء: وَسَبَب التَّحْرِيم إِزَالَة الضَّرَر عَنْ الْجَالِب وَصِيَانَته مِمَّنْ يَخْدَعهُ قَالَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيّ: فَإِنْ قِيلَ: الْمَنْع مِنْ بَيْع الْحَاضِر لِلْبَادِي سَبَبه الرِّفْق بِأَهْلِ الْبَلَد. وَاحْتَمَلَ فيه غَبْن الْبَادِي وَالْمَنْع مِنْ التَّلَقِّي أَلَّا يَغْبِن الْبَادِي وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا أَتَى سَيِّده السُّوق فَهُوَ بِالْخِيَارِ»، فَالْجَوَاب: أَنَّ الشَّرْع يَنْظُر فِي مِثْل هَذِهِ الْمَسَائِل إِلَى مَصْلَحَة النَّاس وَالْمَصْلَحَة تَقْتَضِي أَنْ يَنْظُر لِلْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِد لَا لِلْوَاحِدِ عَلَى الْوَاحِد، فَلَمَّا كَانَ الْبَادِي إِذَا بَاعَ بِنَفْسِهِ اِنْتَفَعَ جَمِيع أَهْل السُّوق وَاشْتَرَوْا رَخِيصًا فَانْتَفَعَ بِهِ جَمِيع سُكَّان الْبَلَد، نَظَر الشَّرْع لِأَهْلِ الْبَلَد عَلَى الْبَادِي. وَلَمَّا كَانَ فِي التَّلَقِّي إِنَّمَا يَنْتَفِع الْمُتَلَقِّي خَاصَّة وَهُوَ وَاحِد فِي قُبَالَة وَاحِد لَمْ يَكُنْ فِي إِبَاحَة التَّلَقِّي مَصْلَحَة، لاسيما وَيَنْضَاف إِلَى ذَلِكَ عِلَّة ثَانِيَة وَهِيَ لُحُوق الضَّرَر بِأَهْلِ السُّوق فِي اِنْفِرَاد الْمُتَلَقِّي عَنْهُمْ بِالرُّخْصِ وَقَطْع الْمَوَادّ عَنْهُمْ وَهُمْ أَكْثَر مِنْ الْمُتَلَقِّي فَنَظَرَ الشَّرْع لَهُمْ عَلَيْهِ فَلَا تَنَاقَضَ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ بَلْ هُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي الْحِكْمَة وَالْمَصْلَحَة وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا أَتَى سَيِّد السُّوق فَهُوَ بِالْخِيَارِ» قَالَ أَصْحَابنَا: لَا خِيَار لِلْبَائِعِ قَبْل أَنْ يَقْدَم وَيَعْلَم السِّعْر، فَإِذَا قَدِمَ فَإِنْ كَانَ الشِّرَاء بِأَرْخَص مِنْ سِعْر الْبَلَد ثَبَتَ لَهُ الْخِيَار سَوَاء أَخْبَرَ الْمُتَلَقِّي بِالسِّعْرِ كَاذِبًا أَمْ لَمْ يُخْبَر، وَإِنْ كَانَ الشِّرَاء بِسِعْرِ الْبَلَد أَوْ أَكْثَر فَوَجْهَانِ: الْأَصَحّ لَا خِيَار لَهُ لِعَدَمِ الْغَبْن، وَالثَّانِي ثُبُوته لِإِطْلَاقِ الْحَدِيث وَاَللَّه أَعْلَم. قَوْله: (أَخْبَرَنِي هِشَام الْقُرْدُوسِيّ) هُوَ بِضَمِّ الْقَاف وَالدَّال وَإِسْكَان الرَّاء بَيْنهمَا مَنْسُوب إِلَى الْقَرَادِيس قَبِيلَة مَعْرُوفَة وَاَللَّه أَعْلَم. 2793- سبق شرحه بالباب. 2794- سبق شرحه بالباب. 2795- سبق شرحه بالباب. 2796- سبق شرحه بالباب. .باب تَحْرِيمِ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي: قَالَ أَصْحَابنَا: وَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَقْدَم غَرِيب مِنْ الْبَادِيَة أَوْ مِنْ بَلَد آخَر بِمَتَاعٍ تَعُمّ الْحَاجَة إِلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمه، فَيَقُول لَهُ الْبَلَدِيّ: اُتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيج بِأَعْلَى. قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِنَّمَا يَحْرُم بِهَذِهِ الشُّرُوط وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُون عَالِمًا بِالنَّهْيِ، فَلَوْ لَمْ يَعْلَم النَّهْي أَوْ كَانَ الْمَتَاع مِمَّا لَا يَحْتَاج فِي الْبَلَد وَلَا يُؤْثِر فيه لِقِلَّةِ ذَلِكَ الْمَجْلُوب لَمْ يَحْرُم وَلَوْ خَالَفَ وَبَاعَ الْحَاضِر لِلْبَادِي صَحَّ الْبَيْع مَعَ التَّحْرِيم. هَذَا مَذْهَبنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَة مِنْ الْمَالِكِيَّة وَغَيْرهمْ. وَقَالَ بَعْض الْمَالِكِيَّة: يَفْسَخ الْبَيْع مَا لَمْ يَفُتْ. وَقَالَ عَطَاء وَمُجَاهِد وَأَبُو حَنِيفَة: يَجُوز بَيْع الْحَاضِر الْبَادِي مُطْلَقًا لِحَدِيثِ: «الدِّين النَّصِيحَة» قَالُوا: وَحَدِيث النَّهْي عَنْ بَيْع الْحَاضِر لِلْبَادِي مَنْسُوخ. وَقَالَ بَعْضهمْ: إِنَّهُ عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى. 2797- سبق شرحه بالباب. 2798- سبق شرحه بالباب. 2799- سبق شرحه بالباب. 2800- سبق شرحه بالباب. 2801- سبق شرحه بالباب. .باب حُكْمِ بَيْعِ الْمُصَرَّاةِ: قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اِشْتَرَى شَاة مُصَرَّاة فَلْيَنْقَلِبْ بِهَا فَلْيَحْلُبْهَا فَإِنْ رَضِيَ حِلَابهَا أَمْسَكَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاع تَمْر» وَفِي رِوَايَة: «مَنْ اِبْتَاعَ مُصَرَّاة فَهُوَ فيها بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْر» وَفِي رِوَايَة: «مَنْ اِشْتَرَى شَاة مُصَرَّاة فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَة أَيَّام فَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَمَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَام لَا سَمْرَاء» وَفِي رِوَايَة: «مَنْ اِشْتَرَى شَاة مُصَرَّاة فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْر لَا سَمْرَاء» وَفِي رِوَايَة: «إِذَا مَا أَحَدكُمْ اِشْتَرَى لَقِحَة مُصَرَّاة أَوْ شَاة مُصَرَّاة فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْد أَنْ يَحْلُبهَا إِمَّا هِيَ وَإِلَّا فَلْيَرُدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْر» أَمَّا الْمُصَرَّاة وَاشْتِقَاقهَا فَسَبَقَ بَيَانهمَا فِي الْبَاب الْمَذْكُور. وَأَمَّا اللِّقْحَة فَبِكَسْرِ اللَّام وَبِفَتْحِهَا وَهِيَ النَّاقَة الْقَرِيبَة الْعَهْد بِالْوِلَادَةِ نَحْو شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة وَالْكَسْر أَفْصَح، وَالْجَمَاعَة (لِقَح) كَقِرْبَةٍ وَقِرَب. و: (السَّمْرَاء) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَة هِيَ الْحِنْطَة. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ التَّصْرِيَة حَرَام وَأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث مَعَ تَحْرِيمهَا يَصِحّ الْبَيْع، وَأَنَّهُ يَثْبُت الْخِيَار فِي سَائِر الْبُيُوع الْمُشْتَمِلَة عَلَى تَدْلِيس بِأَنَّ سَوَّدَ شَعْر الْجَارِيَة الشَّائِبَة أَوْ جَعَّدَ شَعْر السَّبْطَة وَنَحْو ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي خِيَار مُشْتَرِي الْمُصَرَّاة هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْر بَعْد الْعِلْم أَوْ يَمْتَدّ ثَلَاثَة أَيَّام؟ فَقِيلَ: يَمْتَدّ ثَلَاثَة أَيَّام لِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيث، وَالْأَصَحّ عِنْدهمْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْر، وَيَحْمِلُونَ التَّقْيِيد بِثَلَاثَةِ أَيَّام فِي بَعْض الْأَحَادِيث عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُعْلَم أَنَّهَا مُصَرَّاة إِلَّا فِي ثَلَاثَة أَيَّام لِأَنَّ الْغَالِب أَنَّهُ لَا يُعْلَم فِيمَا دُون ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إِذَا نَقَصَ لَبَنهَا فِي الْيَوْم الثَّانِي عَنْ الْأَوَّل اُحْتُمِلَ كَوْن النَّقْص لِعَارِضٍ مِنْ سُوء مَرْعَاهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْم أَوْ غَيْر ذَلِكَ، فَإِذَا اِسْتَمَرَّ كَذَلِكَ ثَلَاثَة أَيَّام عُلِمَ أَنَّهَا مُصَرَّاة. ثُمَّ إِذَا اِخْتَارَ رَدّ الْمُصَرَّاة بَعْد أَنْ حَلَبَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْر سَوَاء كَانَ اللَّبَن قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، سَوَاء كَانَتْ نَاقَة أَوْ شَاة أَوْ بَقَرَة، هَذَا مَذْهَبنَا، وَبِهِ قَالَ مَالِك وَاللَّيْث وَابْن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُف وَأَبُو ثَوْر وَفُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ الصَّحِيح الْمُوَافِق لِلسُّنَّةِ. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: يَرُدّ صَاعًا مِنْ قُوت الْبَلَد وَلَا يَخْتَصّ بِالتَّمْرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِرَاق وَبَعْض الْمَالِكِيَّة وَمَالِك فِي رِوَايَة غَرِيبَة عَنْهُ: يَرُدّهَا وَلَا يَرُدّ صَاعًا مِنْ تَمْر لِأَنَّ الْأَصْل أَنَّهُ إِذَا أَتْلَفَ شَيْئًا لِغَيْرِهِ رَدّ مِثْله إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلَّا فَقِيمَته. وَأَمَّا جِنْس آخَر مِنْ الْعُرُوض فَخِلَاف الْأُصُول، وَأَجَابَ الْجُمْهُور عَنْ هَذَا بِأَنَّ السُّنَّة إِذَا وَرَدَتْ لَا يُعْتَرَض عَلَيْهَا بِالْمَعْقُولِ. وَأَمَّا الْحِكْمَة فِي تَقْيِيده بِصَاعِ التَّمْر لِأَنَّهُ كَانَ غَالِب قُوتهمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت فَاسْتَمَرَّ حُكْم الشَّرْع عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِب مِثْله وَلَا قِيمَته بَلْ وَجَبَ صَاع فِي الْقَلِيل وَالْكَثِير لِيَكُونَ ذَلِكَ حَدًّا يَرْجِع إِلَيْهِ وَيَزُول بِهِ التَّخَاصُم. وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى رَفْع الْخِصَام وَالْمَنْع مِنْ كُلّ مَا هُوَ سَبَب لَهُ. وَقَدْ يَقَع بَيْع الْمُصَرَّاة فِي الْبَوَادِي وَالْقُرَى وَفِي مَوَاضِع لَا يُوجَد مَنْ يَعْرِف الْقِيمَة وَيَعْتَمِد قَوْله فيها وَقَدْ يُتْلِف اللَّبَن وَيَتَنَازَعُونَ فِي قِلَّته وَكَثْرَته وَفِي عَيْنه، فَجَعَلَ الشَّرْع لَهُمْ ضَابِطًا لَا نِزَاع مَعَهُ وَهُوَ صَاع تَمْر، وَنَظِير هَذَا الدِّيَة فَإِنَّهَا مِائَة بَعِير وَلَا يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ حَال الْقَتِيل قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَمِثْله الْغُرَّة فِي الْجِنَايَة عَلَى الْجَنِين سَوَاء كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَامّ الْخَلْق أَوْ نَاقِصه جَمِيلًا كَانَ أَوْ قَبِيحًا، وَمِثْله الْجُبْرَان فِي الزَّكَاة بَيْن الشَّيْئَيْنِ جَعَلَهُ الشَّرْع شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ سَوَاء كَانَ التَّفَاوُت بَيْنهمَا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيّ وَآخَرُونَ نَحْو هَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّه أَعْلَم. فَإِنْ قِيلَ: كَيْف يَلْزَم الْمُشْتَرِي رَدّ عِوَض اللَّبَن مَعَ أَنَّ الْخَرَاج بِالضَّمَانِ وَأَنَّ مَنْ اِشْتَرَى شَيْئًا مَعِيبًا ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْب فَرَدَّ بِهِ لَا يَلْزَمهُ رَدّ الْغَلَّة وَالْأَكْسَاب الْحَاصِلَة فِي يَده؟ فَالْجَوَاب: أَنَّ اللَّبَن لَيْسَ مِنْ الْغَلَّة الْحَاصِلَة فِي يَد الْمُشْتَرِي بَلْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْد الْبَائِع وَفِي حَالَة الْعَقْد وَوَقَعَ الْعَقْد عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّاة جَمِيعًا، فَهُمَا مَبِيعَانِ بِثَمَنٍ وَاحِد وَتَعَذَّرَ رَدّ اللَّبَن لِاخْتِلَاطِهِ بِمَا حَدَثَ فِي مَالِك الْمُشْتَرِي فَوَجَبَ رَدّ عِوَضه وَاَللَّه أَعْلَم. 2802- سبق شرحه بالباب. 2803- سبق شرحه بالباب. 2804- سبق شرحه بالباب. 2805- سبق شرحه بالباب. 2806- سبق شرحه بالباب. .باب بُطْلاَنِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث النَّهْي عَنْ بَيْع الْمَبِيع حَتَّى يَقْبِضهُ الْبَائِع، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الشَّافِعِيّ: لَا يَصِحّ بَيْع الْمَبِيع قَبْل قَبْضه سَوَاء كَانَ طَعَامًا أَوْ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْره. وَقَالَ عُثْمَان الْبَتِّيّ: يَجُوز فِي كُلّ مَبِيع. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة: لَا يَجُوز فِي كُلّ شَيْء إِلَّا الْعَقَار. وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز فِي الطَّعَام وَيَجُوز فِيمَا سِوَاهُ، وَوَافَقَهُ كَثِيرُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَجُوز فِي الْمَكِيل وَالْمَوْزُون وَيَجُوز فِيمَا سِوَاهُمَا. أَمَّا مَذْهَب عُثْمَان الْبَتِّيّ فَحَكَاهُ الْمَازِرِيّ وَالْقَاضِي وَلَمْ يَحْكِهِ الْأَكْثَرُونَ بَلْ نَقَلُوا الْإِجْمَاع عَلَى بُطْلَان بَيْع الطَّعَام الْمَبِيع قَبْل قَبْضه، قَالُوا: وَإِنَّمَا الْخِلَاف فِيمَا سِوَاهُ فَهُوَ شَاذّ مَتْرُوك وَاَللَّه أَعْلَم. 2807- سبق شرحه بالباب. 2808- سبق شرحه بالباب. 2809- قَوْله: «مُرْجَأ» أَيْ مُؤَخَّرًا وَيَجُوز هَمْزه وَتَرْك هَمْزه. 2810- سبق شرحه بالباب. 2811- سبق شرحه بالباب. 2812- «وَالْجِزَاف» بِكَسْرِ الْجِيم وَضَمّهَا وَفَتْحهَا ثَلَاث لُغَات الْكَسْر أَفْصَح وَأَشْهَر، وَهُوَ الْبَيْع بِلَا كَيْل وَلَا وَزْن وَلَا تَقْدِير. وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز بَيْع الصُّبْرَة جِزَافًا وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه: بَيْع الصُّبْرَة مِنْ الْحِنْطَة وَالتَّمْر وَغَيْرهمَا جِزَافًا صَحِيح وَلَيْسَ بِحَرَامٍ. وَهَلْ هُوَ مَكْرُوه؟ فيه قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ: أَصَحّهمَا مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه؛ وَالثَّانِي لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ. قَالُوا: وَالْبَيْع بِصُبْرَةِ الدَّرَاهِم جِزَافًا حُكْمه كَذَلِكَ. وَنَقَلَ أَصْحَابنَا عَنْ مَالِك أَنَّهُ لَا يَصِحّ الْبَيْع إِذَا كَانَ بَائِع الصُّبْرَة جِزَافًا يَعْلَم قَدْرهَا. 2813- سبق شرحه بالباب. 2814- سبق شرحه بالباب. 2815- قَوْله: «كَانُوا يُضْرَبُونَ إِذَا بَاعُوهُ» يَعْنِي قَبْل قَبْضه هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ وَلِيّ الْأَمْر يُعَزِّر مَنْ تَعَاطَى بَيْعًا فَاسِدًا وَيُعَزِّرهُ بِالضَّرْبِ وَغَيْره مِمَّا يَرَاهُ مِنْ الْعُقُوبَات فِي الْبَدَن عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي كُتُب الْفِقْه. 2816- سبق شرحه بالباب. 2817- سبق شرحه بالباب. 2818- قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِمَرْوَان: أَحْلَلْت بَيْع الصِّكَاكَ وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْع الطَّعَام حَتَّى يُسْتَوْفَى. فَخَطَبَ مَرْوَان النَّاس فَنَهَى عَنْ بَيْعهَا) الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ وَيُجْمَع أَيْضًا عَلَى صُكُوك، وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ بِأَنْ يَكْتُب فيها لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ. وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ؛ وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا؛ وَالثَّانِي مَنْعهَا فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَبِحُجَّتِهِ وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ، قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ الْأَوَّل، لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض، كَمَا لَا يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته: وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَرَدَّهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا تَبِعْ طَعَامًا اِبْتَعْهُ حَتَّى تَسْتَوْفيه. اِنْتَهَى هَذَا تَمَام الْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ. وَكَذَا جَاءَ الْحَدِيث مُفَسَّرًا فِي الْمُوَطَّأ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَن مَرْوَان بِطَعَامٍ فَتَبَايَعَ النَّاس تِلْكَ الصُّكُوك قَبْل أَنْ يَسْتَوْفُوهَا، وَفِي الْمُوَطَّأ مَا هُوَ أَبَيْنَ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ حَكِيم بْن حِزَام اِبْتَاعَ طَعَامًا أَمَرَ بِهِ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَبَاعَ حَكِيم الطَّعَام الَّذِي اِشْتَرَاهُ قَبْل قَبْضه وَاَللَّه أَعْلَم. 2819- سبق شرحه بالباب.
|