الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن بني العباس من دول الإسلام في هذه الطبقة الثالثة للعرب وأولية أمرهم وإنشاء دولتهم والالمام بنكت أخبارهم وعيون أحاديثهم. .دولة السفاح. قد تقدم لنا كيف كان أصل هذه الدعوة وظهورها بخراسان على يد أبي مسلم ثم استيلاء شيعتهم على خراسان والعراق ثم بيعة السفاح بالكوفة سنة ثلاث وثلاثين ومائة ثم قتل مروان بن محمد وانقراض الدولة الأموية ثم خرج بعض أشياعهم وقوادهم وانتقضوا على أبي العباس السفاح وكان أول من انتقض حبيب بن مرة المري من قواد مروان وكان بخولان والبلقاء خاف على نفسه وقومه فخلع وبيض ومعناه لبس البياض ونصب الرايات البيض مخالفة لشعار العباسية في ذلك وتابعته قيس ومن يليهم والسفاح يومئذ بالحيرة بلغه أن أبا الورد مجزأة بن الكوثر بن زفر بن الحرث الكلابي انتقض بقنسرين وكان من قواد مروان ولما انهزم مروان وقدم عليه عبد الله بن علي بايعه ودخل في دعوة العباسية وكان ولد مسلمة بن عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة فبعث بهم وبنسائهم القائد الذي جاءهم من قبل عبد الله بن علي وشكوا ذلك إلى أبي فقتل القائد وخلع معه أهل قنسرين وكاتبوا اهل حمص في الخلاف وقدموا عليهم أبا محمد عبد الله بن يزيد بن معاوية وقالوا هو السفياني الذي يذكر ولما بلغ ذلك عبد الله بن علي وادع حبيب ابن مرة وسار إلى أبي الورد بقنسرين ومر بدمشق فخلع بها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف فارس مع حرمه وأثقاله وسار إلى حمص فبلغه أن أهل دمشق خلعوا وبيضوا وقام فيهم بذلك عثمان بن عبد الأعلى ابن سراقة الأزدي وأنهم هزموا أبا غانم وعسكره وقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانتهبوا ما خلف عندهم فأعرض عن ذلك وسار للقاء السفياني وأبي الورد وقدم أخاه عبد الصمد في عشرة آلاف فكشف ورجع إلى أخيه عبد الله منهزما فزحف عبد الله في جماعة القواد ولقيهم بمرج الأحزم وهم في أربعين ألفا فانهزموا وثبت أبو الورد في خمسمائة من قومه فقتلوا جميعا وهرب أبو محمد إلى ترمذ وراجع أهل قنسرين طاعة العباسية ورجع عبد الله بن علي إلى قتال أهل دمشق ومن معهم فهرب عثمان بن سراقة ودخل أهل دمشق في الدعوة وبايعوا لعبد الله بن علي ولم يزل أبو محمد السفياني بأرض الحجاز متغيبا إلى أيام المنصور فقتله زياد بن عبد الله الحارثي عامل الحجاز يومئذ وبعث برأسه إلى المنصور مع ابنين له أسيرين فأطلقهما المنصور ثم خلع أهل الجزيرة وبيضوا وكان السفاح قد بعث إليهما ثلاثة آلاف من جنده مع موسى بن كعب من قواده وأنزلهم بحران وكان إسحق بن مسلم العقيلي عامل مروان على أرمينية فلما بلغته هزيمة مروان سار عنها واجتمع إليه أهل الجزيرة وحاصروا موسى بن كعب بحران شهرين فبعث السفاح أخاه أبا جعفر إليهم وكان محاصرا لابن هبيرة بواسط فسار لقتال إسحق بن مسلم ومر بقرقيسيا والرقة وأهلهما قد خلعوا وبيضوا وسار نحو حران فأجفل إسحق بن مسلم عنها ودخل الرها وبعث أخاه بكار بن مسلم إلى قبائل ربيعة بنواحي ماردين ورئيسهم يومئذ برمكة من الحرورية فصمد إليهم أبو جعفر فهزمهم وقتل برمكة في المعركة وانصرف بكار إلى أخيه إسحق فخلعه بالرها وسار إلى شمشاط بمعظم عسكره وجاء عبد الله بن علي فحاصره ثم جاء أبو جعفر فحاصروه سبعة أشهر وهو يقول: لا أخلع البيعة من عنقي حتى أتيقن موت صاحبها ثم تيقن موت مروان فطلب الأمان واستأذنوا السفاح فأمرهم بتأمينه وخرج إسحق إلى أبي جعفر فكان من آثر أصحابه واستقام أهل الجزيرة والشام وولى السفاح أخاه أبا جعفر على الجزيرة وأرمينية وأذربيجان فلم يزل عليها حتى استخلف.
|