الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتح جرجان وطبرستان. كان يزيد بن المهلب يريد فتحهما لما أنمهما كانتا للكفار وتوسطتا بين فارس وخراسان ولم يصبهما الفتح وكان يقول في جوار سليمان بالشام إذا قصت عليه أخبار قتيبة وما يفعله بخراسان وما وراء النهر ما فعلت جرجان التي قطعت الطريق وأفسدت يوسس ونيسابور وليست هذه الفتوح بشيء والشأن في جرجان فلما ولاه سليمان خراسان سار إليها في مائة ألف من أهل العراق والشام سوى الموالي والمتطوعة ولم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال ومخارم يقوم الرجل على باب منها فيمنعه فابتدأ بقهستان فحاصرها وبها طائفة من الترك فكانوا يخرجون قيقاتلون وينهزمون في كل يوم ويدخلون حصنهم ولم يزل على ذلك حتى بعث إليه دهقان يتستأذن يسأل في الصلح ويسلم المدينة وما فيها فصالحه وأخذ ما فيها من الأموال والكنوز والسبي ما لا يحصى وقتل أربعة عشر ألفا من الترك وكتب إلى سليمان بذلك ثم سار إلى جرجان وكان سعيد بن العاصي قد صالحهم على الجزية مائة ألف في السنة فكانوا أحيانا يجبون مائة وأحيانا مائتين وأحيانا ثلثمائة وربما أعطوا ذلك وربما منعوا ثم كفروا ولم يعطوا خراجا ولم يأت جرجان بعد سعيد أحد ومنعوا الطريق إلى خراسان على فكان الناس يسلكون على فارس وسلماس ثم فتح قتيبة طريق قومس وبقي أمر جرجان حتى جاء يزيد فصالحوه ولما فتح يزيد قهستان وجرجان طمع في طبرستان فاستعمل عبد الله بن معمر اليشكري على ساسان وقهستان وخلف معه أربع آلاف فارس وسار إلى أدنى جرجان من جهة طبرستان ونزل بآمد ونسا راشد بن عمر في أربعة آلاف ودخل بلاد طبرستان فسأل صاحبها الأصبهبذ في الصلح وأن يخرج من طبرستان فأبى يزيد ورجا أن يفتحها ووجه أخاه عيينة من وجه وابنه خالد بن يزيد من وجه وإذا اجتمعا فعيينة على الناس واستجاش الأصنبهبذ أهل جيلان والديلم والتقوا فانهزم المشركون واتبعهم المسلمون إلى الشعب وصعد المشركون في الجبل فامتنعوا على المسلمين وصعد أبو عيينة بمن معه خلفهم فهزمهم المشركون في الوعر فكفوا وكاتب الأصبهبذ أهل جرجان ومقدمهم المرزبان أن يبيتوا للمسلمين عندهم ليقطعوا المادة عن يزيد والطريق بينه وبين جرجان ووعدهم بالمكافأة على ذلك فساروا بالمسلمين وهم غارون وقتل عبد الله بن معمر وجميع من معه ولم ينج أحد وكتبوا إلى الأصبهبذ بأخذ المضايق والطرق وبلغ ذلك وأصحابه فعظم عليهم وهالهم وفزع يزيد إلى حيان النبطي وكان قد غرمه مائتي ألف درهم بسبب أنه كتب إلى ابنه مخلد كتابا فبدأ بنفسه فقال له: لا يمنعك ما كان مني إليك من نصيحة المسلمين وقد علمت ما جاءنا من جرجان فاعمل في الصلح فأبى حيان الأصبهبذ ومت إليه بنسب العجم وتنصل له وفتل له في الذروة والغارب حتى صالحه على سبعمائة ألف درهم وأربعمائة وقر زعفران أو قيمته من العين وأربعمائة رجل على يد كل رجل منهم ترس وطيلسان وجام من فضة وخرقة حرير وكسوة فأرسل يزيد لقبض ذلك ورجع وقيل في سبب مسير يزيد إلى جرجان أن صولا التركي كان على قهستان والبحيرة جزيرة في البحر على خمسة فراسخ من قهستان وهما من جرجان مما يلي خوارزم وكان يغير على فيروز بن فولفون مرزبان جرجان وأشار فيروز بنصيب من بلاده فسار فيروز إلى يزيد هاربا منه وأخذ صول جرجان وأشار فيروز على يزيد أن يكتب إلى الأصبهبذ ويرغبه في العطاء إن هو حبس صولا بجرجان حتى يحاصر بها ليكون ذلك وسيلة إلى معاكسته وخروجه عن جرجان فيتمكن يزيد منه فكتب إلى الأصبهبذ وبعث بالكتاب إلى صول فخرج من حينه إلى البحيرة وبلغ يزيد الخبر فسار إلى جرجان ومعه فيروز واستخلف على خراسان ابنه مخلدا وعلى سمرقند وكش ونسف وبخارى ابنه معاوية وعلى طخارستان ابن قبيصة بن المهلب وأتى جرجان فلم يمنعه دونها أحد ودخلها ثم سار منها إلى البحير وحصر صولا بها شهرا حتى سأل الصلح على نفسه وماله وثلثمائة ويسلم إليه البحيرة فأجابه يزيد وخرج صول عن البحيرة وقتل يزيد من الأتراك أربعة عشر ألفا وأمر إدريس بن حنظلة العمى أن يحصي ما في البحيرة ليعطى الجند فلم يقدر وكان فيها من الحنطة والشعير والأرز والسمسم والعسل شيء كثير ومن الذهب والفضة كذلك ولما صالح يزيد أصبهبذ طبرستان كما قدمناه سار إلى جرجان وعاهد الله إن ظفر بهم ليطحنن القمح على سائل دمائهم ويأكل منه فحاصرهم سبعة أشهر وهم يخرجون إليه فيقاتلونه ويرجعون وكانوا متمنعين في الجبل والأوعار وقصد رجل من عجم خراسان فأتبع بخلا في الجبل وانتهى إلى معسكرهم وعرف الطريق إليه ودل الأدلة على معالمة وأتى يزيد فأخبره فانتخب ثلثمائة رجل مع ابنه خالد وضم إليه جهم بن ذخر وبعثه وذلك الرجل يدل به وواعده أن يناهضهم العصر من الغداة ولما كان الغد وقت الظهر أحرق يزيد كل حطب عنده حتى اضطرمت النيران ونظر العدو إلى النار فهالهم وحاموا للقتال آمنين خلفهم فناشبهم يزيد إلى العصر وإذا بالتكبير من ورائهم فهربوا إلى حصنهم وأتبعهم المسلمون فأعطوا ما بأيديهم ونزلوا على حكم يزيد فقتل المقاتلة وسبى الذرية وقاد منهم اثتي عشر ألفا إلى وادي جرجان ومكن أهل الثأر منهم حتى استلحموهم وجرى الماء على الدم وعليه الأرحاء فطحن وخبز وأكل وقتل منهم أربعين ألفا وبنى مدينة جرجان ولم تكن بنيت قبل ورجع إلى خراسان وولى على جرجان جهم بن ذخر الجعفي ولما قتل مقاتلهم صلبهم فرسخين عن يمين الطريق ويساره.
|