الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.فتح برزية. ولما فرغ صلاح الدين من قلعة الشغر سار إلى قلعة برزية قبالة افامية وتقاسمها في أعمالها وبينهما بحيرة من ماء العاصي والعيون التي تجري وكانوا أشد شيء في الأذى للمسلمين فنازلها في الرابع والعشرين من جمادي الأخيرة وهي متعذرة المصعد من الشمال والجنوب وصعبته من الشرق وبجهة الغرب مسلك إليها فنزل هنالك صلاح الدين ونصب المجانيق فلم تصل حجارتها لبعد القلعة وعلوها فرجع إلى المزاحفة وقسم عساكره على أمرائها وجعل القتال بينهم نوبا فقاتلهم أولا عماد الدين زنكي بن مودود صاحب سنجار وأصعدهم إلى قلعتهم حتى صعب المرتقى على المسلمين وبلغوا مواقع سهامهم وحجارتهم من الحصن وكانوا يدحرجون الحجارة على المقاتلة فلا يقوم لها شيء فلما تعب أهل هذه النوبة عادوا وصعد خاصة صلاح الدين فقاتلوا قتالا شديدا وصلاح الدين وتقي الدين ابن أخيه يحرضانهم حتى أعيوا وهموا بالرجوع فصاح فيهم صلاح الدين وفي أهل النوبة الثانية فتلاحقوا بهم وجاء أهل نوبة عماد الدين على أثرهم وحمي الوطيس وردوا الإفرنج على أعقابهم إلى حصنهم فدخلوا ودخل المسلمون معهم وكان بقية المسلمين في الخيام شرقي الحصن وقد أهمله الإفرنج فعمد أهل الخيام من ملك الناحية واجتمعوا مع المسلمين في أعقاب الإفرنج عند الحصن فملكوه عنوة وجاء الإفرنج إلى قبة الحصن ومعهم جماعة من أسارى المسلمين في القيود فلما سمعوا تكبير إخوانهم خارج القبة كبروا فدهش الإفرنج وظنوا أن المسلمين خالطوهم فألقوا باليد وأسرهم المسلمون واستباحوهم وأحرقوا البلد وأسروا صاحبها وأهله وولده وافترقوا في أسراهم فجمعهم صلاح الدين حتى إذا قارب انطاكية بعثهم إليها لأن زوجة صاحب إنطاكية كانت تراسل صلاح الدين بالأخبار وتهاديه فرعي لها ذلك والله تعالى ولي التوفيق..فتح دربساك. ولما فرغ صلاح الدين من حصن برزية دخل من الغد إلى الجسر الجديد على نهر العاصي قرب انطاكية فأقام عليه فلحق به فخلف العسكر ثم سار إلى قلعة دربساك ونزل عليها في رجب من السنة وهي معاقل الفداوية التي يلجؤن إلى الإعتصام بها ونصب عليها المجانيق حتى هدم من سورها ثم هجمها بالمزاحفة وكشف المقاتلة عن سورها ونقبوا منها برجا من أسفله فسقط ثم باكروا الزحف من الغد وصابرهم الإفرنج ينتظرون المدد من صاحبهم سمند صاحب انطاكية فلما تبينوا عجزه استأمنوا صلاح الدين فأمنهم في أنفسهم فقط وخرجوا إلى انطاكية وملك الحصن في عشرين من رجب من السنة والله تعالى أعلم..فتح بغراس. ثم سار عماد الدين عن دربساك إلى قلعة بغراس على تعددها وقربها من انطاكية فيحتاج مع قتالها إلى ردء من العسكر بينه وبين انطاكية فحاصرها ونصب عليها المجانيق فقصرت عنها لعلوها وشق عليهم حمل الماء إلى أعلى الجبل وبينما هم في ذلك إذ جاء رسولهم يستأمن لهم فأمنهم في أنفسهم فقط كما أمن أهل دربساك وتسلم القلعة بما فيها وخربها فجددها ابن اليون صاحب الأرمن وحصنها وصارت في أيالته والله أعلم..صلح انطاكية. ولما فتح حصن بغراس خاف سمند صاحب انطاكية وأرسل إلى صلاح الدين في الصلح على أن يطلق أسرى المسلمين الذين عنده وتحامل عليه أصحابه في ذلك ليريح الناس ويستعدوا فأجابه صلاح الدين إلى ذلك لثمانية أشهر من يوم عقد الهدنة وبعث إليه من استخلفه وأطلق الأسرى وكان سمند في هذا الوقت عظيم الإفرنج متسع المملكة وطرابلس وأعمالها قد صارت إليه بعد القمص واستخلف فيها ابنه الأكبر وعاد صلاح الدين إلى حلب فدخلها ثالث شعبان من السنة وانطلق ملوك الأطراف بالجزيرة وغيرها إلى بلادهم ثم رحل إلى دمشق وكان معه أبوه فليتة قاسم بن مهنا أمير المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم قد عسكر معه وشهد فتوجه وكان يتيمن بصحبته ويتبرك برؤيته ويجتهد في تأنيسه وتكرمته ويرجع إلى مشورته ودخل دمشق أول رمضان من السنة وأشير عليه بتفريق العساكر فأبى وقال هذه الحصون كوكب وصفد والكرك في وسط بلاد الإسلام فلا بد من البدار إلى فتحها والله سبحانه وتعالى أعلم..فتح الكرك. كان صلاح الدين قد جهز العساكر على الكرك مع أخيه العادل حتى سار إلى دربساك وبغراس وأبعد في تلك الناحية فشد العادل حصارها حتى جهدوا وفنيت أقواتهم فراسلوه في الأمان فأجابهم وسلموا المعلقة فملكها وملك الحصون التي حواليها وأعظمها الشويك وأمنت تلك الناحية واتصلت إيالة المسلمين من مصر إلى القدس والله تعالى أعلم.
|